الجمعة، 31 مايو 2013

حضارة الاندلس. حضارة شبه الجزيرة الايبيرية



الأندلس التسمية التي تعطى لما يسمى اليوم شبه الجزيرة الايبيريه (جزيرة الأندلس) في الفترة ما بين أعوام 711 و1492 التي حكمها المسلمون. تختلف الأندلس عن أندلسيا التي تضم حاليا ثمانية أقاليم في جنوب إسبانيا.

تأسست في البداية كإمارة في ظل الدولة الأموية في الشام، التي بدأت بنجاح من قبل الوليد بن عبد الملك (711-750)، بعدها تولتها دولة بني أمية في الأندلس عبد الرحمن الداخل وبعد سقوط دولة بني أمية تولت الأندلس ممالك غير موحدة عرفوا بملوك الطوائف، ثم وحدها المرابطون والموحدون قبل أن تنقسم إلى ملوك طوائف مرة أخرى وزالت بصورة نهائية بدخول فرناندو الثاني ملك الإسبان مملكة غرناطة في 2 يناير 1492.

أصلها جزيرة الأندلس (والأندلس قد تكون محرفة من وندلس، إذ اعتادت العرب إبدال الواو ألفًا)، والأندلس لدى العرب القدامى هم فاندال، وهم شعب جرماني نزحوا من جرمانيا (ألمانيا وبولندا، حاليا) إلى أيبيريا (إسبانيا والبرتغال، حاليا)، وانتقل جزء كبير منهم أيضا إلى شمال أفريقيا بعد أن غزا القوط الغربيون أيبيريا (يتأصل القوط الغربيون من منطقة البحر الأسود، كانوا قبائل آرية). ذكر ابن عذاري المراكشي في كتابه: البيان المُغْرِب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب : «وقيل أن أول من نزل الأندلس بعد الطوفان قوم يُعرفون بالأندلش (بشين معجمة)، فسميت بهم الأندلس (بسين غير معجمة)».[1]

أطلق المسلمون اسم الأندلس على شبه الجزيرة الأيبرية، وهي تقابل كلمة "فاندالوسيا" (وهي مشتقة من اسم الوندال) التي كانت تطلق على الإقليم الروماني المعروف باسم باطقة الذي احتلته قبائل الوندال الجرمانية ما يقرب من عشرين عاماً ويسميهم الحميري الأندليش. ويرى البعض أنها مشتقة من قبائل الوندال التي أقامت بهذه المنطقة مدة من الزمن، ويرى البعض الآخر أنها ترجع إلى أندلس بن طوبال بن يافث بن نوح.

تقع الأندلس في الطرف الغربي من أوروبا، ‏وتشمل الآن ما يسمى أسبانيا والبرتغال، ويفصلها ‏عن قارة أفريقيا مضيق جبل طارق. ويراد ‏بالأندلس في التاريخ الإسلامي تلك الحقبة الزمنية ‏التي امتدت من فتح العرب لأسبانيا 91هـ / ‏‏711م حتى سقوط غرناطة 897هـ/ 1492م ‏وهي الفترة التي امتدت نحو ثمانية قرون.

اليوسبين والكلتز هم أقدم الشعوب التي سكنت أيبريا (أسبانيا والبرتغال) اليوسبين شعب أتى من الجنوب من الجزر التي في البحر المتوسط بينما الكلتز Celts شعب أتى من شمال أوروبا وإنقرضت هذه الشعوب قبل دخول القوط والمسلمين إلى شبه جزيرة أيبيريا.

كما أستوطن اليونانيون والفينيقيون بعض المدن والثغور الأيبيرية. غزاها الرومان وقاموا بتحويلها إلى ولاية رومانية الثقافة وكاثوليكية الدين بعد أن كانت تنتشر العقيدة الآريوسية بين أهل البلاد ونجح الرومان في تغيير اللغه إلى اللاتينية. ولأنتشار العقيدة الآريوسية بين أهل البلاد الأصليين الأثر في اعتناقهم الإسلام بعد الفتح الإسلامي لقربها من العقيدة والفكر الإسلامي.

فتح المسلمون بقيادة القائد طارق بن زياد الجزائري عام سنة 92هـ/711م وجعلوا الأندلس جزءاً من الدولة الإسلامية ويعتبر عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) المؤسس للدولة الأندلسية سنة 750 التي كانت مستقلة عن الدولة العباسية واعتبرت الأندلس امتدادا لدولة بني أمية التي قضى عليها العباسيون في الشرق عام 132هـ. وفي سنة 756 بنى عبد الرحمن الناصر (الثالث) مدينة قرطبة والتي أصبحت عاصمة الأندلس واعتبرت المدينة المنافسة لبغداد عاصمة العباسيين.

و كان الأندلس قد تجزئ إلى عدة دول صغيرة ومتنازعة بعد سقوط الدولة الأموية عام 399هـ سميت دويلات ملوك الطوائف وابرز هذه الدويلات وأكبرها كانت دويلة بنو عباد في اشبيلية ودويلة بني هود في سرقسطة ودويلة بنو الأفطس في بطليوس ودويلة بنو ذي النون في طليطلة وقد توسعت الممالك الإسبانية الكاثوليكيه على حساب هذه الدويلات الإسبانية المسلمة مستغلة تنازعها وفي النهاية سقطت طليطلة في ايدي جيوش الفونسو السادس ملك قشتالة القوي والملكة ايزابيلا الأولى مما اصطر ملوك الطوائف للاستنجاد بالمرابطين الذين كانوا قد اقاموا دولة قوية في شمال أفريقيا والذين عبروا إلى الاندلس لنجدة أخوانهم في الدين الأندلسيين وهزموا الإسبانيون الكاثوليك في معركة الزلاقة ودولة الموحدين ومملكة غرناطة.

كان للأندلس دور كبير في التأثير على أوروبا والممالك المجاورة لها، وعند قيام الدولة الأموية في الاندلس كان يقصد قرطبة العديد من أبناء أوروبا لطلب العلم. وقد دام الحكم الإسلامي للأندلس قرابة 800 سنة. وفي العصر الحاضر لا تزال منطقة جنوب إسبانيا تعرف باسم الأندلس وتعتبر إحدى المقطاعات التي تشكل إسبانيا الحديثة وتحتفظ بالعديد من المباني التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الإسلامية في الأندلس، وتحمل اللغة الإسبانية كثيراً من الكلمات التي يعود أصلها إلى اللغة العربية.

وقد قارن الطبيب الأمريكي ‏المؤرخ فيكتور روبنسون بين الحالة الصحية ‏وغيرها في الأندلس وفي أوروبا خلال فترة الفتح ‏الإسلامي للأندلس فقال:‏"‏ كانت أوروبا في ظلام ‏حالك، في حين كانت قرطبة تضيئها المصابيح، ‏وكانت أوروبا غارقة في الوحل، في حين كانت ‏قرطبة مرصوفة الشوارع"‏. وإننا لنلمس فضل المسلمين وعظيم أثر ‏مجدهم حينما نرى بأسبانيا الأراضي المهجورة التي ‏كانت أيام المسلمين جنات تجري من تحتها الأنهار، ‏فحينما نذكر تلك البلاد التي كانت في عصور ‏العرب تموج بالعلم والعلماء، نشعر بالركود العام ‏بعد الرفعة والازدهار.‏

حضارة الانكا. الامبراطورية والعادات والتقاليد والاثار والزواج



الإنكا (Inca or Inka) إمبراطورية قديمة بنتها شعوب من الهنود الحمر في منطقة أمريكا الجنوبية، كانت أكبر الإمبراطوريات في أمريكا الجنوبية في العصر قبل الكولومبي, وهي ذات حضارة ضاربة في القدم وتشمل أرض الأنكا بوليفيا والبيرو والاكوادور وجزءاً من تشيلي والأرجنتين قاموا ببناء عاصمتهم كسكو وهي مدينة مترفة ومليئة بالمعابد والقصور تقع على ارتفاع 11000 قدم فوق مستوى سطح البحر في جبال الانديز وقد أطلق عليها اسم مدينة الشمس المقدسة, تبلغ مساحتها 990000 كيلومتر مربع.

بدايتها كانت على جبال الأنديز في حوالي سنة 1100ق, م، واستمرت حتى الغزو الأسباني عام 1532 م. بدت حضارة شعوب الأنكا للناظرين متخلفة في شكلها وطريقة معيشتها ولكنها تركت بصمة عجيبة ومحيرة تلفها الأساطير التي تقول أنهم أتوا من الفضاء الخارجي لروعة الإرث الذي تركوه.

توصل شعب الأنكا إلى بناء دولة العدالة الاجتماعية فقد وضعت الحكومة يدها على الأرض لضمان قوت الشعب، والذهب والفضة ومعادن أخرى وقطعان الماشية وبخاصة حيوان اللاما الذي يقوم بدور المواصلات. وكانت العائلة المقياس الرئيسي في التقسيمات الحكومية، فلكل مجموعة من عشرة عائلات قائد مسؤول أمام الكابتن الذي يشرف على خمسين عائلة والذي يشارك في الحكم, ولكل عائلة مقدار معين من محصول الأرض، كما كانوا يحيكون ملابسهم ويصنعون أحذيتهم ويسبكون الذهب والفضة بأنفسهم, وكان العجزة والمرضى والفقراء يلقون رعاية كافية من المجتمع.

كان لشعب الأنكا خبرة في الزراعة حيث كانوا ينتجون محاصيل ممتازة ويشقون السواقي ليجلبوا الماء من المناطق الجبلية لسقاية حقولهم وقد بنوا جسورا مصنوعة من أغصان الكرمة والصفصاف مجدولة بالحبال.

أتقن الإنكيون نسج القطن الناعم بمهارة حتى أن الأسبان عندما غزوهم اعتقدوا بأن نسيجهم مصنوع من الحرير.‏

بعد قرون من الرخاء انقسمت إمبراطوريتهم إلى قسمين فقام الأسبان بغزوهم ودمروا الإمبراطورية.‏

تم الكشف عن بقايا إحدى مقابر الأنكا حيث عثر على حوالي 1200 رزمة في أحد الأماكن على مساحة 5 هكتارات تحتوي كل منها على جثة واحدة على الأقل، ويصل عدد الجثث الموجود في إحدى الرزم على سبع جثث ولا تزال الألوف منها مدفونة اسفل البلدة.

حتى الآن تم الكشف عن 2200 رجل وامرأة وطفل من الأغنياء والفقراء إلى جانبهم بعض الطعام والملابس وأدوات منزلية ليستخدموها في حياة الآخرة.

أمريكا الجنوبية تعد رابع قارات العالم من حيث المساحة.. تنحدر أصول سكانها من قارة أفريقيا.. وتعرف بأراضيها المتدرجة من قمم سلسلة جبال الانديز البركانية على طول الساحل الغربي إلى السهول الخصبة في الوسط والشرق والتي تقطع مراعيها الخضراء أنهار عديدة تصب معظمها في المحيط الاطلنطي على الساحل الشرقي. تتميز أراضيها بخصوبتها ناثرة الخير في معظم أرجاء القارة.. جاء إليها البرتغال وتبعهم الإسبان في منتصف القرن السادس عشر إبان أوج مجد الامبراطوريات الأوروبية وسباقها المحموم نحو اكتشاف العالم الجديد كما اطلقوا عليه. بهر من تناودا بالحضارة الأوروبية وسيادتها بوجود حضارة ضاربة في القدم امتدت من شمال الاكوادور وحتى دولة شيلي، بنتها شعوب هندية بدت للناظرين متخلفة في شكلها وطريقة معيشتها ولكنها تركت بصمة محيرة وأساطير تقول انها أتت من الفضاء الخارجي لروعة الإرث المعروف بحضارة «شعوب الأنكا». تحيط ب «كوسكو» العاصمة أربع مدن رئيسية بطرق غاية في دقة الاناقة والتعبيد قدرت اطوالها ما بين عشرة إلى خمسة وعشرين ألف كيلومتر تعد من عجائب شق الجبال في تلك الحقبة التاريخية ومنها ما هو خاص فقط بالملك وأسرته ومنها ما هو للخدم، تتجه لأربع ولايات رئيسية تمثل «شينشايسويو» الموجودة في كولومبيا الحالية و«كونتيسويو» في شيلي الآن و«كولاسيو» في دولة بوليفيا و«انتيسويو» في الأرجنتين الحالية وتلك المدن التي ما زالت موجودة تبين الحجم الشاسع لأراضي امبراطورية الأنكا.

عُرف الأنكا بهندسة مقاييس دقيقة تجلت في وجود نحاتين قلما عرفت الحضارات القديمة مثلهم لأنهم ببساطة لم يُتح لهم الأخذ من أي من الحضارات في منطقتهم مما أوجد الأساطير والخرافات عن كيفية نقل ونحت الصخور بتلك الدقة وكأنهم استعانوا بسكان كواكب أخرى، بنوا معابد الشمس «الواكاس»، وبناء الكباري المعلقة «الشاكا» بين ممرات الجبال الشاهقة ومجاري الأنهار الجبلية الهادرة مستخدمين حبالاً منسوجة مدعمة بمعادن على سقالات خشبية ضخمة، بحيث يسحب الشخص حبلاً معيناً يأخذه من قمة لقمة، فيما يشبه البكرات، وعمم هذا النظام مهندسون مدربون على طول شبكة الطرق في الامبراطورية، دعمت تلك الجسور نظام البريد المعروف باسم «شاسكي» الذي استخدم فيه الشباب الأقوياء الذين يمتطون حيوان «اللاما» ذا الشبه الذي يجمع ما بين النعامة، والحصان لنقل رسالة شفهية، مادية أو بنكنوت وضرائب ملكية تعرف (بكوبيكو)، ولمسافة تتعدى 250 ميلاً في اليوم بين مطارق جبلية غاية في التعرج، مما يدل على بأس هنود الانكا، فقد نجح الانكا إلى حد كبير في الربط ما بين الصخور المنحوتة بدون مواد رابطة.

يتزوج الأنكا عادة في سن مبكرة بين 15 إلى 20 سنة، والغريب في الأمر أن الزوج لا يكون له يد في الاختيار، بل الأسرة، أو الزعماء، أو مالكي الأراضي، هم الذين يختارون له زوجته، والمقياس الأساسي في الزواج هو التكاثر العددي حيث يتوالدون بأعداد كبيرة للحاجة إلى أيادٍ تساعد في العمل، والمساعدة في حياة الجبال القاسية، وعادة ما يقدم الذهب، أو الأحجار الكريمة، كهدايا من أسرة الزوج، ويقدم أهل العروس الملابس الصوفية الرائعة الغزل، والحبوب المخزنة.

هل كانت المرأة مهمشة لدى حضارات الانكا ؟ لا فقد كان للمرأة دور أساسي في حياة الأنكا حيث يعتمد عليها في نواحي الحياة يداً بيد مع الرجل في الزراعة، ورعي حيوان «الألباكا» الذي يشبه الخراف، وتربية الأبناء، ولكن ذلك لا يمنع السيادة المطلقة للرجل.

حضارات منسية: حضارة المايا ولغز شعب المايا

 
 
سكنت حضارة المايا في جزء كبير من منطقة وسط أمريكا التي تعرف حاليا بغواتيمالا، بليز، هندوراس، السلفادور وفي نطاق خمسة ولايات جنوبية في المكسيك مثل : كامبيتشي، تشياباس، كينتانا رو، تاباسكو ويوكاتان. تأسست في البداية خلال فترة ما قبل الكلاسيكية (حوالي 2000 ق.م إلى 250 م)، وفقا للتسلسل الزمني لوسط أمريكا، وصل عديد من مدن المايا إلى أعلى مستوى لها من التطور خلال الفترة الكلاسيكية (تقريبا من 250 م حتي 900 م)، واستمرت خلال ما بعد الكلاسيكية حتى وصول الإسبان. وكان لديهم تاريخ يقدر بحوالي 3000 سنة، خلال هذا الوقت الطويل كانوا يتحدثون في تلك الأراضي مئات اللهجات التي تولد منها هذا اليوم حوالي 44 لغات ماياوية مختلفة. وقد عرفت بالحضارة الوحيدة في تطور اللغة الكتابية في الأمريكتين زمن ما قبل كولومبوس، فضلا عن الفن، الهندسة المعمارية، وأنظمة الرياضيات والفلك.

يشير الحديث عن "المايا القديمة" إلى تاريخ أحد أهم ثقافات أمريكا الوسطى زمن ما قبل كولومبوس، لأن لها إرث علمي وفلكي على مستوى العالم. فقد أسهمت حضارتهم بالكثير من الميزات للحضارات الأخرى في وسط أمريكا بسبب التفاعل الكبير ونشر الثقافة التي اتسمت بها المنطقة. لم ينشأ التقدم كالكتابة، النقش، والتقويم مع المايا فحسب بل تطور بالكامل. ويمكن كشف تأثير تلك الحضارة في هندوراس وبليز، غواتيمالا، والسلفادور الغربية ممتدة إلى مناطق بعيدة مثل وسط المكسيك أي أكثر من 1,000 كم (620 ميل) من منطقة المايا. وتم العثور آثار عمرانية وفنية للمايا خارج المنطقة، ويعتقد أنها بسبب التبادل التجاري والثقافي.

لم يختفي شعب المايا نهائيا لا في وقت تراجع الفترة الكلاسيكية ولا مع وصول الغزو الإسباني واستعمارهم للأمريكتين، حيث يشكل أبناء شعب المايا في الوقت الحالي الأكثرية لسكان جميع مناطق المايا وقد حافظوا على التقاليد المميزة والمعتقدات التي هي نتيجة لأندماج الأفكار والثقافات لفترتي ما قبل كولومبوس وما بعد الغزو. في الوقت الحالي ملايين الناس يتحدثون لغات المايا المختلفة.

يوضح الأدب الماياوي حياة هذه الثقافة، ومن الأمثلة على ذلك مسرحية رابينال اتشي المكتوبة بلغة اتشي والتي أعلن عنها من قبل اليونسكو في عام 2005 على أنها من روائع التراث الشفهي اللامادي للبشرية، ومن الأعمال الأدبية بوبول فوه للأساطير التأريخية، وكتب شيلام بالام التي تقدر بتسعة كتب. وما دمره الغزو الإسباني هو نموذج لحضارة ماقبل كولومبوس التي تقدر بثلاثة آلاف سنة من التاريخ العريق.

حضارة الاغريق . الخصائص المميزة



 الخصائص المميزة لحضارة الإغريق

أ.د. محمد حمدى إبراهيم
أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية المتفرغ
كلية الآداب – جامعة القاهرة

أولاً : جغرافية بلاد اليونان وأثرها فى تكوين الحضارة :

يتميز موقع بلاد اليونان الفريد بأنه يشغل منطقة تقع بين ثلاث قارات، هى آسيا وأوروبا، وأفريقيا، كما يتمز بأنه يطل على واحد من أقدم بحار العالم القديم وأهمها قاطبة (Mare Mediterraneum)، وأعنى به البحر المتوسط الذى شهد مولد أقدم حضارات العالم القديم. وهذا هو ما جعل بلاد اليونان نقطة تلاقٍ للحضارات القديمة ونلاقح بينهما، كما أنه هو الذى أكسب حضارتها ذلك الطابع الفريد المتميز الذى اشتهرت به. أما جغرافية بلاد اليونان فلا تقل فى التفرد عن موقعها العبقرى: فالبحر يتغلغل فى كل مكان فى بلاد اليونان، ويقسمها إلى يابس قارى وجزر يكاد لا يحصيها العد، كما أنه يفصل بين جزرها وبين أقاليمها التى تكاد جميعها تطل على البحر، بحيث لا يبعد أى مكان فيها عن شائ البحر مسافة تزيد على الأربعين ميلاً إلا فيما ندر. ولكن بقدر ما فصل البحر بين أجزاء بلاد اليونان، بقدر ما وحد بينها فى خواص مشتركة، لعلها تميز الحضارات البحرية بوجه عام وحضارة بلاد اليونان بوجه خاص. فلم يكن الإغريقى القديم يطبق الابتعاد عن البحر بحال من الأحوال، وكان عدما يحول أمر ما بينه وبين مرأى البحر كان يحس بكربٍ شديد وجزعٍ لا مثيل له؛ وليس أدل على ذلك من أن الآلاف العشرة من محاربى الإغريق الذين التحقوا بجيش الإمبراطور الفارسى قورش (Kyros) بوصفهم جنوداً مرتزقة، قد شعروا بحزن عميق وخوف مريع عندما ظلوا ردحاً طويلاً من الزمن، يواصلون مسيرتهم فى رحلة التصعيد (anabasis) داخل قارة آسيا دون أن يلمحوا خلالها بصيصاً للبحر. غير أنهم حينما وقعت أبصارهم على البحر بعد طول عناء، هتفوا جميعاً قائلين : "البحر! البحر ! Thalatta! Thalatt"، ثم ألقوا أنفسهم فى مياهه الرحبة والسعادة تغمرهم، وكأنهم يعانقون حبيبة بعد طول غياب.

ولم يكن البحر نسيجاً وحده فى منظومة بلاد اليونان الجغرافية، بل شاركته فى التأثير أيضاً الجبال والهضاب والتلال والروابى والسهول والوديان والأنهار والينابيع والبحيرات والغابات والأجمات وأشجار الزيتون، كما رسخت من تأثيره كذلك الألوان المتباينة، زرقة السماء وخضرة السهول والبحر اللازوردى والصخور المتباينة والزهور الملونة. وكانت كل هذه السميفونية من الألوان والأصوات، مثل تغريد البلابل وشدو القنابر والعنادل والكراكى، وخرير المياه أو هديرها فى الشلالات، كانت تمتع بصر اليونانى القديم وتشنف أذنيه، وتدفعه إلى ممارسة التأمل ساعاتٍ طويلة، مثلما كان يفعل الفيلسوف الأشهر سقراط أثناء مدة خدمته بالجيش؛ إذ ظل ذات مرة مستغرقاً فى تأمله شارداً مع خواطره وأفكاره، وهو ناظر إلى جمال الطبيعة الخلاب من حوله، منذ مشرق الشمس فى أحد الايام حتى مشرقها فى اليوم التالى دون أن يتناول طعاماً أو شراباً، ودون أن يربح بدنه أو حتى يهفو إلى النعاس.


ولقد قسمت الجبال بلاد اليونان إلى أقاليم منفصلة يصعب الاتصال بينها، بل إنها مزقتها إرباً بانتشارها فى كل مكان، وساعد هذا على وجود نظام عرف باسم دولة المدينة، أو المدينة -الدولة (Polis)، وكان نظاماً سياسياً واجتماعياً مميزاً للحضارة اليونانية القديمة. إذ أن العزلة القائمة بين هذه السهول الواقعة وسط الجبال قد أدت إلى إيجاد تجانس ملموس بين سكان كل إقليم، بحيث غدا كل إقليم متميزاً ومختلفاً عن ما سواه : فمدينة أثينا – على سبيل المثال- لها خصائص تجعلها مختلفة عن مدينة اسبرطة، ومدينة كورنثة ذات خصائص تجعلها متمايزة عن مدينة طيبة وهكذا. وكانت حضارة دولة المدينة تقوم فوق ركائز أساسية تُبنى فوقها العلاقات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، وكان من أهم هذه الركائز – كما سنرى فيما بعد – الحرية، والاستقلال الذاتى، والاكتفاء الاقتصادى. ورغم أن دولة المدينة كانت نظاماً يؤدى إلى الازدهار السريع، وإلى زيادة نبض الحياة والتسارع فى التطور، فقد كانت فى الوقت نفسه تُعجل بعمر الحضارة القائمة بين جدرانها لتصل إلى شيخوخة سريعة وذبولٍ محتوم. فلقد كانت حضارة دولة المدينة – كما يُقال – تحمل فى طياتها بذور فنائها، نظراً لأن أى توسع فى حدودها كان أمراً مقضياً عليه سلفاً بالإحباط والفشل، حيث إنه كان مقدراً له أن يصطدم بالجبال، التى تمثل عائقاً طبيعياً لا سبيل إلى إزالته ولا تجاوزه إلا ببذل جهد تنوء به الهمم، أو أن يُجابه بالبحر الذى كان بمثابة مانع مائى لا سبيل إلى اجتيازه إلا بشق الأنفس. ومع ذلك فقد كان الإغريق القدامى لا يعرفون المستحيل، فشرعوا فى اجتياز هذه الموانع بدأب وهمة لا تعرف الكلل أو التقاعس.

ثانياً : بلاد اليونان نقطة التقاءٍ بين حضارات العالم القديم :

استفادت بلاد اليونان فى تكوين حضارتها من جميع الحضارات المجاورة فى آسيا وأفريقيا، وكذا من حضارتى جزيرة كريت القريبة منها، وجزيرة قبرص التى لا تبعد عنها مسافة طويلة. إذ نقلت العلوم من مصر وبابل وآشور، ونقلت الفن والعمارة من مصر وفينيقيا وكريت، ونقلت الأديان والعقائد من مصر ومن آسيا الصغرى، ثم مزجت بين عناصر هذه الحضارات كافة، وصاغت منها حضارة خاصة بها ذات نتاجِ متجانس تحمل طابعاً فريداً غير مسبوق، لا هو نظرى مغرق فى التأمل؛ ولا هو عملى براجماتى ضيق؛ لا هو علمى بحت يتصف بالجفاف ويفتقر إلى المرونة ولا هو خيالى ينغمس فى تهويمات أو شطحات الأوهام؛ بل هو فى مجمله إنسانى فلسفى وفنى، يضرب بسهمٍ وافرٍ فى مختلف الاتجاهات باعتدال وتوزان مدهش، فهو لا ينحاز إلى اتجاه بعينه على حساب الاتجاهات الأخرى، ولا يعلى من شأن عنصر ويغفل أو يتجاهل بقية العناصر. والحق إن حضارة بلاد اليونان كانت أسبق من سواها إلى جعل الفلسفة منهاج فكر نظرى وأسلوب بحث واستقصاء لافت للنظر، بيد أنها تحاشت تقليد حكمة الشرق التى تُلخص جوهر الحياة فى صورة مقولات مقتضبة قد تصل أحياناً إلى حد الابتسار، وفضلت عليها النظريات الفلسفية التى تمثل موقف الإنسان إزاء الكون والوجود، والتى تبحث فى الوجود وأصل الكائنات، أو فى الماهية أو فى الطبيعة أو فى الأخلاق.


كذلك كان للفن النصيب الأوفر فى معطيات حضارة قدامى الإغريق، غير أن الفن الإغريقى لم يجنح إلى المثالية مثل الفن المصرى القديم، بل مال بشكل واضح إلى تصوير الواقع دون أن يتجاهل الجماليات البصرية أو الهندسية، وكان شأنه فى ذلك شأن ما أبدعه العقل الإغريقى فى مجال الأدب سواءً بسواء. أما العلوم فلم تكن تحظى من الإغريق فى بداية الأمر بالاهتمام الكافى، إذ كانوا مبهورين فى بداية حضارتهم بالعلم المصرى؛ حيث إن العلوم قنعت فى بواكير الحضارة الإغريقية بالانضواء تحت لواء الفلسفة، وكان كل فيلسوف له مبحث علمى إلى جانب المبحث النظرى. ولكن عندما أفلحت العلوم فى الانفلات من ربقة الفلسفة – إبان العصر الهيلّنستى – قيض لها الازدهار ونالت الاعجاب من مختلف الأقطار. غير أن الإغريق فى مجال الديانات لم يجدوا غضاضة فى الجمع بين عقائد شتى، وفدت إليهم أو نقلوها هم من الحضارات المجاورة لهم، وكان مما يلفت النظر أنهم انفردوا من بينها جميعاً بظاهرة تصوير آلهتهم وأربابهم على الصورة البشرية الخالصة، وهو ما يعرف بظاهرة "التجسيد على صورة البشر" (anthropomorphism).

ولقد تحدث الأستاذ هـ.د.ف.كيتّو فى كتابه المشهور "الإغريق" عن "العقل اليونانى"، وأحصى ميزاته التى تتمثل فى اللغة والنتاج الفكرى المتنوع، وبين لنا أن هناك ارتباطاً بين المزايا والخصائص الإغريقية العديدة وثقتهم فى المنطق وإحساسهم القوى بالشكل، وحبهم للسيميترية (= التوازن، التناسق)، وولعهم بالإبداع ونزعتهم إلى البناء، وكذا اتجاههم إلى الاعتماد على المنطق القبلى (a priori). كما بين الأستاذ كيتّو أن الإغريق يحظون بموهبة المضى قدماً والنفاذ خلال المظهر الخارجى للطبيعة، وصولاً إلى الحقيقة وإلى الوحدة القائمة تحت هذا المظهر، وأن هذا هو ما حدا بالشاعر التراجيدى آيْسخيلوس إلى عدم مسرحة أحداث الحرب أو إظهارها على خشبة المسرح فى مسرحية "الفرس : Persai"، بل استخدم بعض أحداث هذه الحرب لكى يُقدم من خلالها ما يعتقد أنه هو مغزى الحرب الحقيقى. وأوضح الأستاذ كيتّو أيضاً أن الفنان الإغريقى لا يسعى إلى تقديم صورة ممثلة لجميع تفاصيل الحياة، بل كان مرامه أن يعبر عن مفهوم واحد من مفاهيم الحياة، شريطة أن يكون شكل الإطار الذى يضم هذا الموضوع أكثر ما يكون منطقية وعقلانية. والملمح الثانى فى العقل الإغريقى هو حب التناسق (symmetria)، حيث إن لديهم دوماً الإحساس بالأنموذج وبالتوازن الذى يعلن عن نفسه بغير مواربة؛ وكان الإغريقى يعتقد أن العالم على اتساعه لابد أن يكون متناسقاً بدوره. فالإنسان جزء من الطبيعة وبذلك تكون الطبيعة التى هى مؤسسة على المنطق متناسقة بدورها، والشواهد التى تدل على تناسق الطبيعة قائمة ومتوافرة بلا نقصان: فهناك الظلمة والنور، والبرد والحرور وغيرها مما لا يتسع المقام لإحصائه. وتعد الرياضيات بحق أعظم خاصية مميزة بين الخصائص اليونانية قاطبة، فالإغريق يعتقدون أن الكون كل منطقى وأنه بسيط رغم ما يبدو من مظهره الخارجي، وبالتالى فالأرجح أنه متناسق. ولقد كان العقل اليونانى مستغرقاً فى البرهنة القائمة على القياس، بحيث يقفز عبر الهوات، حيث إنّ الطبيعة عبارة عن وحد واحدة، تضم العوالم الفيزيقية والأخلاقية والدينية جنباً إلى جنب فى كيانٍ واحد. ولقد كان أفلاطون دارساً شغوفاً للرياضيات، بدليل أنه دون على باب مدرسته المعروفة باسم الأكاديمية العبارة التالية : "mêdeis ageômtrêtos eisetô"، ومعناها : "لا يدخلن هنا من لا يعرف الهندسة". وكانت إحدى مقولاته الشهيرة : "إن الله يزاول الهندسة على الدوام". كذلك كان أفلاطون يفرق تفرقة صارمة بين "المعرفة" و"الرأى": فالمعرفة عنده ليست هى ما قيل للإنسان أن أُظهر له أو عُلم أو لُقن؛ بل هى فقط ما استطاع العثور عليه أو إيجاده لنفسه، من خلال البحث الدائب الذى يستمر طويلاً. كذلك فإنه يرى أن ما هو باقٍ أو دائمٍ، لا العابر، هو الذى يستحق أن يكون مادة للمعرفة، وأن ما هو كائن فقط، لا موضوعات الحس، هو الذى يصبح دائماً شيئاً مختلفاً. ودراسة الرياضيات تبعد العقل عن موضوعات الحس الغليظة، لأن الأحاسيس لا يمكن أن تظهر لنا سوى نسخٍ عابرةٍ وناقصة من الحقيقة. وأسمى الحقائق أو الأفكار هى "الخير".

هذه هى المعرفة التى حينما يحظى بها الإنسان فإنه لا يقترف جرمًا؛ إنها معرفة الكائن، معرفة الخير، ومعرفة الله افتراضياً. وإنها شئ أكثر ثراءً من معرفتنا العقلانية الصرفة، حيث إن الانفعال الأخلاقى وكذا العقلى يكمن فى قوته الدامغة، وحيث إن موضوعه هو الحقيقة التى تضم فى حناياها كل شئ.

ثالثاً : تاريخ بلاد اليونان لسياسى :

قطعت بلاد اليونان رحلة طويلة شاقة فى مجال السياسة، ذاقت فى بدايتها الأمريّن من الحكام المستبدين (despôtai) المنفردين بالسلطة. ففى بداية الحضارة اليونانية ساد نظام أوتوقراطى (autokratoria) مستبد، أُتيح لنا أن نطلع على طرفٍ من ملامحه الرئيسة فى ملحمة الإلياذة  (Ilias) للشاعر الأشهر هوميروس؛ وكان هذا النظام نظاماً مستبداً صارماً لا يسمح لصوتٍ أن يعلو، ولا يطيق لشكايةٍ أن تُعلن، ولا يتهاون مع أى تذمر أو تبرم، ويقمع كل تمرد أو يسحقه بقسوة لا نظير لها، مثلما فعل أوديسيوس وسائر قادة الإغريق مع ثرسيتيس، المحارب الذى سخط وتذمر فضرب حتى انزوى على نفسه باكياً معتذراً؛ ومثل ما فعله أجاممنون مع أخيليوس أشجع الأبطال الإغريق وأقواهم، فلم يشفع هذا له عند ملك الملوك أجامنون.

ثم انتقل المجتمع اليونانى بعد ذلك إلى حقبة ساد فيها نظام شبه اقطاعى، كانت السيادة فيه للأمراء والنبلاء، وكان الأفراد فيه أشباه عبيد يعملون فى خدمة سادتهم ويسامون سوء العذاب. ويمكننا أن نلمح طرفاً من ملامح هذا النظام السياسى فى قصيدة للشاعر التعليمى هيسيودوس تحمل عنوان "الأعمال والأيام : Erga kai Hêmerai". ثم من بعد ذلك انتقل المجتمع اليونانى إلى نظام جديد عُرف باسم "حكم الطغاة" (Tyrannoi)، وكان الإغريق يطلقون على الحاكم الذى وصل إلى مقعد الحكم دون شرعية تسانده وانفرد بالسلطة اسم (Ruler=Tyrannos)، وهى كلمة لم تكن تحمل فى نشأتها الأولى أى معنى للطغيان. ولكن حينما ارتكب معظم هؤلاء الحكام، الذين وصلوا إلى سدة الحكام بالعنف والقوة، فظائع كثيرة، ومالوا إلى العسف والظلم، ارتبطت هذه الكلمة بعد ذلك عندهم وعندنا حتى عصرنا الحاضر فى أذهان الناس بالطغيان.

وبحلول القرن الخامس ق.م. تمكن الإغريق من التوصل إلى نظام سياسى غير مسبوق عُرف باسم "الديمقراطية" (dêmokratia)، وهو نظام ميز معظم دويلاتهم قديماً وأكسبها ذلك الطابع المتفرد فى العالم القديم، إذ أنه كان نظاماً يقوم على ركائز ومبادئ من "حرية التعبير" (parrêsia)، ومن "الاستقلال الذاتى" (autonomia)، ومن "الحرية المكفولة للمواطن" (eleutheria)، ومن "الاكتفاء الذاتى" (autarkeia). وكانت هناك مؤسسات ترعى هذا النظام وتضمن مشاركة الجماهير فيه، وتكفل عدم الانفراد بالسلطة لأى طرف مهما كان، وهى مجلس البولى (Boulê)، أو مجلس الشورى، الذى يقابل الآن البرلمان، والجمعية العامة (Ekklêsia) التى كانت جلساتها متاحة ومكفولة لسائر  أفراد الشعب من المواطنين البالغين. وكان هذا هو النظام الديمقراطى الذى دأب فلاسفة الإغريق ومفكروهم على الافتخار به والمباهاة بامتلاكه، وعلى اعتباره علامة من علامات التحضر والرقى وسمو القدر والمنزلة، كان نظاماً يقف على طرفى نقيض من النظام "المورناخى" (monarchia) المستبد الذى كان سائداً فى ممالك العالم القديم وإمبراطورياته. غير أن هذا النظام الرائع – الذى لا يزال يمثل علامة فارقة فى أنظمة العالم الحديث حتى الآن – لم يلبث أن تحول بسبب عدم وجود الضمانات الكافية إلى نظام دهماوى أو ديماجوجى (dêmagôgia) فاسد، يرفع شعارات الديمقراطية ولكنه يفرغها من مضمونها تماماً، حتى غدا – كما يقول الفيلسوف أرسطو- أسوأ بمراحل من الطغيان. ومن أسف أن هذا النظام الديماجوجى كان سبباً – فى بدايته – فى إعدام فيلسوفٍ عظيم، شهدت له الأجيال المتعاقبة قديماً وحديثاً بالإخلاص والتجرد، هو سقراط، كما كان سبباً فى الزج بمدينة أثينا فى حروب أهلية عقيمة لا طائل من ورائها، أريقت فيها الدماء الزكية بلا ثمن، ودار الصراع فيها بين أثينا وعدد من شقيقاتها الدويلات اليونانية، تحت ستار شعارات زائفة ودعاوى براقة مضللة. وبعد انتهاء هذا النظام الذى قضى على ثمار الديمقراطية وبدد نعيمها، حدثت ردة إلى النظام "المورناخى" الاستبدادى على يد فيليبوس المقدونى، ثم صار بعدها سائداً فى شتى ممالك العالم القديم بعد رحيل الإسكندر الأكبر، طوال العصر الهيلّسنتى وما بعده.

رابعاً : الفكر اليونانى القديم : الفلسفة، العلوم، الأدب، الفن :

مما لاشك فيه أن الفلسفة كانت نتاجاً إغريقياً خالصاً فى طابعه، دون أن يفهم من كلا منا هذا أننا ننفى عن الحضارات الأقدم أو الأحدث من حضارة الإغريق، أنها كانت تحتوى فى نتاجها على فكر فلسفى ذى قيمة مؤكدة؛ غير أن الفلسفة اليونانية كانت الركيزة التى ارتكزت عليها حضارة الإغريق فى شتى مجالاتها. فلم تكن هذه الفلسفة حكراً على طبقةٍ أو صفوةٍ مختارةًٍ من أفراد الشعب، بل المدهش واللافت للنظر أنها غدت فى متناول معظم المواطنين. وكانت الفلسفة اليونانية فى مبدأ الأمر تقتفى خطى الفلسفات الشرقية بوجه عام، أى أنها كانت تبحث فى مادة الوجود أو خاصته الأولى، وتسعى للاهتداء إلى المادة الأولية المتجانسة التى خلق منها الكون قبل أن ينمو ويتطور، سواء كانت الماء أو التراب أو الأثير أو النار أو الذرة. غير أن هذه الفلسفة ما لبثت أن تحررت من هذا الطابع، ووجدت ضالتها المنشودة فى تلك التركيبة الجمعية الفريدة القائمة على "الدياليكتيكا" (dialektikê)، بمعنى توالد الأفكار من بعضها أو الجدل الفلسفى، وهى تركيبة تجمع بين الفكر النظرى والفكر التطبيقى فى آن، أو بين النظرية والتطبيق فى منهج واحد. وكانت نقطة الانطلاق فى هذا الصدد الفلسفة السقراطية التى تمكنت من نقل الفكر الفلسفى الإغريقى من البحث فى مظاهر الطبيعة إلى البحث فى السلوك الإنسانى، ولهذا قيل إن سقراط كان أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، بمعنى أنه حول وجهتها من دراسة المادة إلى دراسة الأخلاق.

أما العلوم، فقد كانت تأتى فى المرتبة الثانية من اهتمام الإغريق، حيث إنهم – كما سبق القول- نقلوا الرياضيات من مصر، ووفد فلاسفتهم إلى معابدها – ابتداءً من طاليس (Thalês) حتى أفلاطون (Platôn) – لكى ينهلوا من العلم المصرى ذى التاريخ العريق والتميز الواضح. ولقد استطاع فلاسفة بلاد اليونان أن يستوعبوا النظريات الرياضية، ابتداءً من فيثاغورث (Pythagoras) وانتهاءً بكل من أرخميديس (Archmêdês)، وإقليديس (Eukleidês)، وبابوس (Pappos)، والعالم السكندرى ديوفانطوس (Diophantos)، أول من استخدم الرموز الجبرية فى العالم القديم، وكان هو الذى مهد الطريق للعرب فجعلهم يؤسسون علم الجبر بوصفه علماً مستقلاً. وفى مجال الطب وعلم التشريح نجد نظريات ذات قيمة لافتة للنظر لكل من هيروفيلوس (Hêrphilos)، وإراسستراتوس (Erasistratos)، وجالينوس (Galênos)، وغيرهم من مشاهير الأطباء فى العالم القديم. وهناك أيضاً علماء بارزون فى الأدوية والعقاقير والفارماكولوجيا، مثل نيكاندروس (Nikandros)، وعلماء فى الجغرافيا مثل إراتوسثينيس (Eratosthenês)، وعلماء فى النبات مثل ثيوفراسطوس  (Theophrastos).

ولا يتسع المقام هنا للحديث بالتفصيل عن الأدب اليونانى القديم الذى يتصف بالتنوع ويتسم بسرعة التطور. ويتساءل الأستاذ ر.و.ليفنجستون فى كتاب "تراث الإغريق The Legacy of Greece، حيث إنه دون فيه بحثا بعنوان "الأدب Litterature"، يتساءل بقوله : ماذا أنجز الإغريق؟ وماهى إسهاماتهم؟ ويجيب بقوله : إنهم ابتكروا جميع الأجناس الأدبية التى نعرفها اليوم، ويكفى القول إن أسماء هذه الأجناس يونانية؛ كما أنهم وضعوا الخطوط التى سار عليها الأدب الأوروبى. ثم يمضى فيذكر أنه ليس هناك أدب عظيم بفضل مزاياه أو خصائصه وحدها، التى هى دائماً شئ أقل من الأدب ذاته، وإنما تقاس العظمة بقدر ما ينتشر الأدب ويمتد فى أرجاء العالم، ويصعد فى هذا الصدد إلى قمة سامقة. وليس هناك شخص بوسعه أن يفكر فى الأدب اليونانى بدون التفكير فى هذه المزايا، إذ أنها تحيا على شفاه المعجبين، وفيها وبداخلها يكمن بشكل أساسى إلهام الأدب اليونانى بوصفه ذخراً مقدساً. وهذه المزايا الأساسية هى : البساطة Simplicity، وإتقان الشكل Perfection of Form، والصدق Truth، والجمال Beauty؛ بيد أن الأدب اليونانى أكبر وأعظم بكثير من هذه المزايا الأربع. إن البساطة اليونانية تعيد إلى أذهاننا الاهتمامات الرئيسة للقلب الإنسانى، كما أن الصدق اليونانى بمثابة تحدٍ يدعونا إلى أن نرى العالم كما هو، ويدفعنا إلى تحاشى خواء الزخرف المجرد وزيف الريطوريقا وبطلان الوجدان، وإلى التيقن من نقصان مقدرة الكتاب الذين – بدلاً من رؤية الحياة بوصفها كلا واحداً مثل الإغريق – يتجاهلون جزءاً منها أو يركزون عليه وحده، حسبما تمليه عليهم مشاعرهم أو تعاطفهم. أما الجمال الإغريقى فهو تذكار لسمة من سمات الكون، عميت عنها عيون عصور متتالية من الفكر الإنسانى، وأما التقنية الفنية اليونانية فهى درس يحتذى فى "الشكل : Form"، وتذكِرة تذكرنا بمكان هذه التقنية فى الأدب.


إن الأدب اليونانى أدب متطور ومتنوع، فهناك الملاحم (ta Epê) التى نظمها هوميروس وتعتبر درة الأدب اليونانى القديم، وهناك القصائد التعليمية (ta didaktika) التى نبغ فى نظمها هيسيودوس، وهناك الأشعار الغنائية (ta Lyrika) التى تنوعت وتشعبت بحيث اشتملت على الشعر الذاتى الذى يعبر عن الأحاسيس الفردية، ومنه شعر المدح والهجاء والإبجرامة؛ والشعر الكورالى الذى تؤديه المجموعات؛ وكذا الشعر الذى يتغنى بالبطولات التى أحرزها المتسابقون  فى المسابقات الأوليمبية وغيرها. وتمثل الأشعار الغنائية حقبة بأسرها من نمو شخصية الفرد وقدرته على التعبير عن خلجات نفسه، وتمكنه من النقد والتحليل والنقاش وإبداء الرأى دون خوف ولا وجل. وهناك أيضاً الشعر الدرامى الذى يمثل ذروة تطور الأدب اليونانى القديم، لأن الدراما تعد أكمل مظهر للتعبير الذاتى والتعبير الموضوعى معاً داخل جنس أدبى واحد. وليس أدل على عظمة الأدب اليونانى القديم من أن العصر التالى له – وهو العصر الهيلّنستى – قد أعاد إحياء كل هذه الأجناس المذكورة من جديد فى ثوبٍ مختلفٍ وإطار متطور، بعد أن عجز عن مجاراتها واستحالت عليه منافستها أو ابتكار سواها إلا فيما ندر.

أما الفن الإغريقى، فقد سعى جاهداً إلى أن يختط لنفسه درباً غير مطروق يصبح وقفاً عليه، بعد أن نشأ فى البداية منضويا تحت إسار الفن المصرى القديم، الذى كان ينحو نحو إظهار العظمة عن طريق الضخامة فى الحجم، ونحو التعبير عن الخلود عن طريق الثبات فى الوقفة. غير أن الفن الإغريقى ما لبث أن عثر على ضالته المنشودة، واهتدى إلى طريقته الخاصة، فقلل من الضخامة فى الحجم إلى أن وصل إلى الحجم الواقعى، كما عزف عن الثبات فى الوقفة ومال إلى إظهار الحركة فى التماثيل التى تميزت بالدينامية الواضحة، وحازت بمواصفاتها هذه إعجاب القاصى والدانى، وجعلت الناس فى كافة العصور يرفعون الفن الإغريقى إلى مكان الصدارة فى نفوسهم. ومن الجدير بالذكر أن الفن اليونانى القديم لم يستنكف أن يحاكى الفنون الشرقية السابقة عليه، لكنه كان وهو يحاكيها يختط لنفسه درباً غير مطروق ومنهاجاً غير مسبوق، أفلح فى التوصل إليه ونجح فى جعله سمة دالة عليه.

خامساً : إغريق المهجر وإسهامهم فى تطور الحضارة الإغريقية :

كان فقر بلاد اليونان وقلة مواردها الطبيعية ومحدودية مصادرها الاقتصادية سبباً فى حركة الهجرة بغية الاستيطان، فتوجه الإغريق صوب الشرق وتجاه الغرب زرافاتٍ ووحداناً، واستوطنت طائفة منهم ساحل آسيا الصغرى والجزر المتاخمة له، وهو الساحل الذى يعرف بالساحل الإيونى.

وكان من المهاجرين الأوائل الإيونيون والأيوليون، كما هاجرت طوائف أخرى إلى الغرب واستوطنت جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية، وكان معظمهم من الدوريين؛ وبلغ من تعاظم عددهم هناك أن أطلق الناس على جنوب إيطاليا باللغة اللاتينية اسم "بلاد اليونان العظمى" (Magna Graecia). ولقد لعب هؤلاء الإغريق القاطنون فى المهجر دوراً فائق الأهمية فى مجال تطوير الحياة اليونانية قديماً، وفى مدها بزادٍ وفيرٍ مما تعلموه أو مما حصلوا عليه فى الأقطار الجديدة التى استوطنوها – وكان منهم فلاسفة ذوى صيت ذائع، مثل "طاليس"، و"فيثاغورث"، و"زينون" مؤسس المذهب الرواقى؛ ومؤرخون نالوا القدح العلى فى فنهم ومهارتهم، مثل "هيرودوتوس" أبو التاريخ، وهيكاتيوس الملطى؛ وباحثون لغويون، مثل ديونيسيوس الهاليكارناسى، وعلماء مثل إقليديس.

ولقد كان هؤلاء الإغريق القاطنون فى الغربة (Xentia) السبب فى إيجاد هذا التجانس اللافت للنظر فى شتى عناصر الحضارة الإغريقية، التى تتجمع بأسرها فى بوتقةٍ واحدةٍ تخلو من التنافر  والنشاز، ولا سيادة فيها لعنصر بعينه على بقية العناصر. ولقد أعاد التاريخ نفسه فى العصور الحديثة فغدا اليونانيون القاطنون فى شتى أرجاء العالم يسهمون فى تعمير بلاد اليونان الحديثة وازدهارها، ابتداءً من حقبة نيلها استقلالها وتحررها من ربقة الاحتلال العثمانى حتى اليوم. فلقد شقوا الطريق وأقاموا المستشفيات والنوادى والمؤسسات التعليمية، وجاءوا بأموالهم التى كسبوها فى الخارج لكى يستثمروها فى وطنهم، وهم فخورون مغتبطون؛ ويكفى أن نذكر هنا أن أول استاد رياضى أقيمت فيه أول دورة للمسابقات الأوليمبية فى العصر الحديث عام 1896 أنشئ بتمويل من اليونانى المشهور أفيروف، وهو من المرمر الناصع ولا يزال يحمل اسمه إلى الآن.

سادساً : الحروب الفارسية والحروب البيلوبونيسية :

كان الصدام الذى وقع بين الفرس والإغريق على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان صداماً مروعاً بين الشرق والغرب، ولم يكن مجرد حرب بين أمتين بقدر ما كان صراعًا بين نظامين سياسيين مختلفين وحضارتين متباينتين أشد التباين : إحداهما تقوم على النظام الإمبراطورى المستند إلى الحكم المستبد والانفراد بالسلطة، والأخرى على النظام الديمقراطى الذى يرتكز على المشاركة فى السلطة وعلى الحرية المكفولة للمواطنين بوصفهم نظراء متساويين. وكان من المتوقع استناداً إلى القوة العسكرية وحدها أن ينتهى هذا الصدام المروع بانتصار القوة الغاشمة على القوة الأصغر حجماً، أو بعبارة أخرى بفوز الماموث على الحمل الوديع؛ ولكن المفاجأة أسفرت عن فوز الفئة القليلة على الفئة الكثيرة. وبناءً على هذا فإن الفئة القليلة أرجعت السر فى تفوقها والفضل فى انتصارها إلى نظامها السياسى الديمقراطى، وإلى تمتع مواطنيها بالحرية والإرادة المستقلة. وشاهدنا على هذا العبارة التى جاءت على لسان الرسول الفارسى فى مسرحية الفرس (Persai) للكاتب المسرحى التراجيدى آيسخيلوس، رداً على سؤال الملكة الأم أتوسا، أم الملك الفارسى اجزركسيس، قائد الجيش، حينما سألته بقولها : "من هؤلاء الذين هزمونا؟ ومن هو مليكهم؟"؛ فأجاب الرسول بصوت تهتز له المشاعر : "سيدتى، إنهم قوم يباهون بأنه لا حاكم فردٍ يتولى أمورهم، وأن شئونهم شركة بينهم الكل يضرب فيها بسهم وافر." ولقد جاء انتصار الإسكندر الأكبر (Alexandros ho Megas) المقدونى، بعد ذلك بفترة من الزمن، بمثابة فوزٍ للإغريق على عددهم اللدود، وقضاءً مُبرماً على قوة الفرس وعلى ما بقى عندهم من آمالٍ طامعة فى التوسع والهيمنة.


ومن المثير المدهشة والعجب أن مدينة أثينا التى تزعمت مسيرة الحرية، وقادت الإغريق على بكرة أبيهم فى كفاحهم العادل ضد الفرس، تحولت – بعد أن استتب لها الأمر، وصارت على عدوها ظاهرة- إلى قوة إمبريالية تبغى التوسع وتنشد السيطرة على من هم دونها فى القوة والمنعة. وأدى هذا إلى نشوب حرب أهلية ضارية، كانت أثينا فيها على رأس عصبةٍ من الدويلات اليونانية ترتكز نظمها السياسية على النظام الديمقراطى، بينما تزعمت اسبرطة معسكراً آخر تعتمد دويلاته على النظام الأوطوقراطى الملكى. ودارت الحرب سجالاً بين الفريقين سنين عدداً بلغت ما يقرب من نصف قرن، وانتهت بإنهاك قوة العصبتين معاً وإضعافهما وتشتيت شملهما، الأمر الذى هيأ الفرصة لبزوغ قوة مقدونيا (Makêdonia) الصاعدة، وهى قوة وضعت نُصب عينيها أن تستولى على الدويلات اليونانية الواحدة إثر الأخرى، وأن تحتلها جميعاً وتحولها إلى دولة كبرى ذات طابع عالمى (cosmopolitan)، وأن تكون لها السيطرة والهيمنة على مقدرات هذه الدولة. وبفضل هذه السياسة استطاع الملك فيليبوس المقدونى من تكوين جيش جرار، نجح تحت قيادة ابنه العبقرى الفذ الإسكندر الأكبر فى غزو ممالك الشرق ببراعة وسرعة لفتت نظر القاصى والدانى. وكان الإسكندر الأكبر، حينما تحرك فى حملته المظفرة هذه، يضع فى حسبانه أن يحول بين الفرس وغزو بلاد اليونان مرة ثالثة – بعد معركتى ماراثون وسلاميس – وأن يقضى قضاءً مبرماً على إمبراطوريتهم بحيث لا تقوم لها بعدها قائمة.

سابعاً : حملة الإسكندر الأكبر على الشرق وفكرة العالمية :

كان الإسكندر الأكبر تلميذاً للفيلسوف الأشهر أرسطو (Aristotelês) الذى علمه – ضمن معلومات أخرى- أن الإغريق هم أفضل شعوب العالم آنذاك، لأنهم يستندون فى عزتهم وكرامتهم إلى نظام ديمقراطى يكفل لهم أن يكونوا أحراراً متساوين أمام القانون وأمام السلطات؛ ولأنهم يملكون قوت يومهم وبالتالى فهم ليسوا عبيداً عند الحاكم أو عند غيره، لأن "السيد" هو ذلك الذى لا يحتاج إلى أحد، أما "العبد" الخانع فهو ذلك المحتاج الذليل؛ ولأن "السيد" – كما قال سقراط فى محاورة "فايدروس" – هو "الحر" الذى يفكر طول الوقت فى أمور حياته وفيما ينفع الآخرين من بنى جلدته، أما "العبد" فهو الذى يستسلم للوسن والراحة ولايجهد نفسه بالتفكير من أجل سواه. ثم إن الإسكندر الأكبر تعلم من الريطوريقى الفذ إيسوقراطيس (Isokratês) "أن الهيلنية (Hellênismos) فكرٌ وليس مولداً"، وهو مبدأ يناهض العرقية والتمييز العنصرى والتعالى الممقوت، وهو مماثل للشعار الإسلامى القديم أن "لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى". وانطلاقاً من هذه المبادئ الفكرية السامية – على الأقل من الناحية النظرية – صاغ الإسكندر الأكبر فلسفته السياسية، التى تنادى بأن العالم على اتساعه ينبغى أن يعتنق الفكر اليونانى القائم على جناحين من الحرية والديمقراطية، بصرف النظر عن المولد أو العرق، وبأن الحضارة بناءً على ذلك ينبغى أن تكون عالمية وليست قومية أو إقليمية، قوامها الثقافة اليونانية.

ولقد استطاع الإسكندر الأكبر، بعبقريته العسكرية الفذة وبفكره الطليعى الجسور، أن يغير خريطة العالم القديم، وأن ينجح فى نشر الثقافة اليونانية فى الشرق، وأن يربط بين الشرق والغرب عن طريق مزج الدم الهلّينى بالدم الفارسى، حينما تزوج أميرة فارسية تدعى روكسانا (Roxana)، وزوج عشرات من قواده أميرات فارسيات؛ وكانت هذه الخطوة الرائدة إيذانا بكسر حدة العداوة التاريخية بين الفرس والإغريق. وحينما وصل الإسكندر الأكبر إلى مصر وهزم جيش قمبيز (Kambysês) الفارسى، لم يستنكف أو يزوَرّْ عن التعبد لآلهة المصريين، مؤكداً وحدة الديانة بعد تأكيده وحدة الحضارة، وكان هذا دافعاً لأن يلقبه المصريون باسم "ابن آمون". وكان تأسيس الإسكندر لمدينة الإسكندرية إيذاناً بأنها سوف تصبح مركز الثقل الحضارى وقبلة الأنظار فى العالم القديم بعد أفول نجم مدينة أثينا، إذ قدر لمدينة الإسكندية – مع غيرها من مدن الشرق القديمة المزدهرة- أن تُوجد حضارة جديدة، هى الحضارة الهيلّنستية (Hellênistikê) التى نشأت lن امتزاج الحضارة الهيلّنية (Hellênikê) بالحضارات الشرقية امتزاجاً فريداً أتى بأينع الثمار.

وإذا كان الإسكندر الأكبر – رغم شهرته التى طبقت الآفاق، وعبقريته التى شهد بها القاصى والدانى – قد عجز عن تحقيق حلمه الطموح فى إقامة الدولة العالمية، وهو حلم ما زال عسير التحقق حتى الآن، فمما لاشك فيه أنه ضرب بسهمٍ وافرٍ فى أغرقة الشرق القديم لعدة قرون. ويكفى فى هذا الصدد أن نذكر أن مصر ظلت زهاء تسعة قرون من الزمان تستخدم اللغة اليونانية وتتعامل مع الثقافة اليونانية، حتى بعد الفتح الرومانى لها بما يزيد عن ستة قرون. كما استطاع الإسكندر الأكبر أن يؤسس عدداً كبيراً من المدن الإغريقية على غرار مدينة الإسكندرية، وكانت هذه المدن بمثابة واحات فى هذا الامتداد العمرانى الشرقى، أو بمثابة منارات فى هذا البحر الشاسع، تنشر الثقافة اليونانية ويعيش خلف أسوارها الإغريق والفرس والمصريون وشعوب الشرق كافة، فى تركيبة فريدة ساعدت فى زمن ما على بزوغ عالمية الثقافة، وعلى ازدهار حضارات العالم القديم والتلاقح بينها، فى امتزاج نادر المثال لم يتح له التكرر حتى الآن.

ثامنًا: انتشار المسيحية وذبول الحضارة الإغريقية :

غير أن الزخم المصاحب لهذا الازدهار اللافت للنظر لم يتح له الدوام طويلاً، إذ ان انتشار المسيحية فى القرون الثلاثة الأولى للميلاد، وكذا انتشار الإسلام ابتداءً من القرن السابع الميلادى، كان عاملاً حاسماً فى وضع حدٍ لرواج الفكر اليونانى الذى كان منطلقاً بغير حدود وفى حرية بغير قيود. إذ لم يعد هناك مجال – بعد انتشار هاتين الديانتين – لفكر الوثينيين من اليونان أو من الرومان، ولم يعد هناك تقبل لآلهتهم ولا لفلستهم أو ثقافاتهم، بل غدا الدين الجديد دستورا يهدى الناس إلى نوعٍ من الفكر الشمولى القطعى الذى لا يقبل معه شريكاً ولا يطيق منافساً. ففى ظل قيود العقيدة والإيمان لم يعد هناك مجال للدين وللفلسفة معاً، ولا مكان لحرية الفكر أو الفكر الحر، فلا مناص من أن يزيح أحدهما الآخر وأن يحل محله بالكامل. حقاً كان هناك نفر من المفكرين الذين نجحوا فى عقد مصالحة بين الفكر الدينى اليهودى أو المسيحى والفكر الوثنى، وبينوا أن هناك مصلحةً أو فائدةً فى التزاوج بينهما وإثراءً لكل منهما، غير أن هؤلاء كانوا ثلة قليلة العدد فى وسط بحر لجى تهب فيه العواصف والأنواء وتكتنفه الظلمات، الكل يلهث فيه بغية إرضاء العقيدة والإيمان، وينفض يديه من غبار العقلانية وحرية الفكر.

ولقد انتقلت أوروبا بأسرها – بعد انتشار المسيحية وإعلانها ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية – إلى فترة طويلة من العصور الوسطى التى لقبت بالمظلمة رغم وجود قناديل مضيئة فيها، كانت ترسل نورها هنا وهنالك. ولكن العلم والفكر فى هذه العصور الراكدة أصبحا مقصورين على الصفوة المختارة والنخبة المتفيقهة من رجال الدين والمثقفين وهم قليلون، بينما كان الشعب على بكرة أبيه يعيش فى غياهب الجهل ويرفل فى الخرافات ويؤمن بالغيبيات. وما أن حل عصر النهضة باستنارته الفكرية وقدرته على التنوير، حتى نشأت من إعادة البعث (Rebirth) ، أو من الميلاد الجديد (Renaissance)- لما هو نفيس من فكر الإغريق ولما هو ثمين أو باهر متألق من فكر الرومان – الحضارة الأوروبية الحديثة التى قامت على عمودين: أحدهما ينهل من نبع الحضارة الإغريقية بلسانها اليونانى، والثانى ينهل من نبع الحضارة الرومانية بلسانها اللاتينى؛ ولقد قدر لهذه الحضارة الأوروبية الحديثة أن تظل مستمرةً وسائدةً حتى عصرنا هذا دون منافسة تذكر.

وفى الختام دعونا نتساءل مثلما تساءل العالم الإنجليزى السير موريس باورا فى كتابه "الأدب اليونانى القديم" : كيف استطاع قدامى الإغريق بناء هذه الحضارة التى نقف أمامها مع العالم كله مشدوهين؟ وكيف تسنى لهم أن يحققوا هذه المعجزة؟ قديماً قال كاهن مصرى قديم لصولون (Solôn)، المشرع الأثينى ورجل الدولة والأديب خالد الذكر مايلى: "أنتم معشر الإغريق لستم إلا أطفالاً بالنسبة لنا! فليست عندكم حكمة واحدة قد وخط الشيب شعرها!"... ويقول الأستاذ باورا : أجل... إن الإغريق هم أطفال العالم، لا بالمعنى الذى قصده الكاهن المصرى القديم، بل لأنهم شعروا بالدهشة مثل الأطفال أمام العالم وإزاء الكون، وعرفوا الحقيقة ببساطة، ولمسوا قلب الأشياء فى صدق، ومضوا بثبات ومباشرة نحو الكل المتجانس، ولم ينخدعوا بالمظاهر. إنهم كما قال عنهم بريكليس (Periklês)، الزعيم الأثينى العظيم فى خطبته الجنائزية المشهورة : "نحن قوم نفكر فى بساطة، ونتذوق الجمال بغير طرواة!"

والسؤال مرة أخرى : "كيف حقق الإغريق هذه المعجزة التى لم تتكرر؟"، والجواب ببساطة : "لأنهم الإغريق".

الهكسوس واحتلال الحضارة المصرية الفرعونية القديمة


الهكسوس هم شعوب بدوية من أصول مختلفة دخلت مصر من الشرق في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر. لم يتفق خبراء التاريخ على أصلهم. ولكن الراجح أنهم أصحاب أصول آسيوية متعددة]، ومنهم من كان سامي الأصل، بحيث كانت أسماء ومعبودات الهكسوس سامية مثل بعل وعانة[5]، وانتقلوا إلى بلاد الشام ثم إلى مصر.

استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي مائة عام، ولم تكن إقامتهم فيها هادئة؛ بل قوبلت بكثير من الثورات والمقاومة من الشعب المصري.
لم تضف فترة احتلال الهكسوس إلى التاريخ المصري شيئاً يذكر؛ بل كانت فترة سلب ونهب وتخريب.. قدم الهكسوس لمصر بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية. طرد الهكسوس بدأ بحرب شرسة شنها عليهم المصريون وانتهت بطردهم نهائياً على يد الملك أحمس الأول في عصر الأسرة الحديثة، ولم تقم لهم في تاريخ البشرية قائمة بعد ذلك.

يقول مانيتون أن الهكسوس هاجموا أرض مصر بأعداد ضخمة لم يقدر المصريون على مقاومتها في بادئ الأمر، وقاموا بحرق المدن وتدمير المعابد وسبي النساء والأطفال. وبعد حرب شرسة مع المصريين اتخذ الهكسوس عاصمة لهم في شرق الدلتا أطلقوا عليها اسم "زوان" والتي كانت تعرف ب أورايس، وتركزت مملكة الهكسوس بشكل أساسي في الدلتا ومنتصف مصر. وساد الهكسوس تدريجياً لا بشكل مباشر، وكانت مصر السفلى (في شمال مصر) تخضع لحكمهم المباشر، أما مصر العليا (في جنوب مصر) (طيبة) وبلاد النوبة، فكانتا تخضعان للحكم المصري.

في عهد الملك سقنن رع الثاني نحو(1580 ق.م) كانت طيبة قد بلغت من القوة والمكانة السياسية شأناً جعل الصدام مع الهكسوس أمراً لا مفر منه. وهذا ما دفع ملك الهكسوس «أبوبي» إِلى اختلاق الأعذار لبدء الصراع. وحقق سقنن رع في هذا الصراع بعض النجاح إِلا أنه سقط فيه صريعاً (1575 ق.م)، في معركة خاضها مع الهكسوس وقد لوحظ وجود جروح وإصابات قاتلة في جمجمته.

وخلفه في عرش طيبة ابنه الأكبر كاموس (1560- 1570 ق.م)، وهو آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، وإمتد حكمه خمس سنوات فقط تابع فيها الحرب التي شرعها أبوه فشن هجوماً مفاجئاً على معاقل الهكسوس المتاخمة لحدوده بقوات من الجيش وأسطول نيلي كبير، وراح يتقدم شمالاً حتى بلغ عاصمة الهكسوس نفسها. وتتحدث النصوص القديمة التي تعود إِلى عهده عن استيلائه على ثلاثمئة مركب مصنوعة من خشب الأرز مشحونة بالأسلحة والذهب والفضة والمؤن، كما تتحدث عن بطشه بالمصريين الذين كانوا يهادنون العدو. وقبض رجاله في تلك الأثناء على رسول بعث به ملك الهكسوس إِلى أمير النوبة في كوش السودان يحثه على مهاجمة أراضي طيبة من الجنوب، فلم يتردد كاموس في إرسال قوة احتلت واحة البحرية محبطاً خطط أعدائه، ثم ارتد عائداً إِلى طيبة بانتهاء موسم الحملات بعد أن قضى على تمرد قام به أحد أتباعه. وتذكر النصوص اسم كاموس وأخيه أحمس -الذي جاء بعده- عند الشلال الثاني في النوبة، مما يحتمل توغل كاموس في أراضي النوبة حتى ذلك الموقع.

بعد مقتل الملك سقنن رع في حروبه ضد الهكسوس، وكانت دولة مصر العليا المصرية محاصرة من الهكسوس شمالاً ومن ملوك النوبيين جنوباً وبعد قتل الملك كامس، ثم انتقل الحكم إلى أحمس الأول الذي لم يكن يبلغ إلا 10 أعوام وقامت والدته بحثه على التدرب على القتال مع المحاربيين القدامى، وعندما بلغ ال 19 قام بعض من رجاله بالتقاط رسالة مبعوثة من ملك الهكسوس إلى ملوك النوبة يحثونهم بالزحف على الطيبة مما أدى إلى قيام أحمس بالهجوم على الهكسوس وهزمهم في عدة معارك، وقام بشن عدة هجمات خارجية عليهم في أراضيهم الأصلية، ولم تقتصر جهود أحمس الحربية على مقاتلة الهكسوس, فقد تحول بعدها إِلى جنوب مصر فقاد ثلاث حملات كبيرة متوالية استهدف فيها بلاد النوبة لتأديب أميرها الذي تعاون مع الهكسوس عليه وبذلك أصبحت الحضارة المصرية القديمة تحت حكم ملوك طيبة المصريين.

الحضارة الرومانية .. اعظم حضارات اوروبا



تعد الحضارة الرومانية أو روما القديمة ، من أعظم حضارات أوروبا بعد الحضارة الإغريقية. ولا يعرف المؤرخون كيف ومتى قامت روما. لكنها كانت تبسط سيطرتها على جميع شبه جزيرة إيطاليا جنوبي ما يعرف الآن بفلورنسا، وكان ذلك عام 275 ق.م وخلال القرنين التاليين تمكن الرومانيون من بناء إمبراطورية امتدت لما يعرف الآن بأسبانيا حتى جنوبي آسيا عبر الساحل الشمالي لإفريقيا وضموا فيما بعد كل ما تبقى من أوروبا إلى إمبراطوريتهم . وقد اندمجت فيها الثقافة الإغريقية.لما كان ناسي

للاىالتال== الفنون المعمارية == ورثت العمارة الرومانية من الأغريقية كافة فنونها في العمارة والنحت والزخرفة وكونوا فنا ديكتاتوريا ينتشر في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية بمعنى أن ما كان ينفذ في روما كان ينفذ في جميع ولايات الإمبراطورية.وبالرغم من هذا نجد بعض الاختلاف في بعض المعابد والتي اضطرتها الظروف إن تتخذ هذا الشكل إما بسبب تغير الزمن أو المكان كما هو موجود في بعض المعابد الرومانية بسوريا حيث اهتم المعماري السوري في العصر الروماني بهيئة التقطيع عن مثيله في أي مكان آخر.كما ذكرنا فالعمارة الرومانية قد اشتقت كل عناصرها تقريبا من الحضارة الإغريقية ولكن الرومان أضافوا طابعهم الخاص الذي لا يخطئه أحد, ويتضح هذا التأثر في معبد ((فورتينا فيرليس-2 ق.م ))في روما وهو من أقدم المعابد الرومانية ومن أجملها وأهم ما يميز الحضارة الرومانية عدم اهتمامهم بالمعابد الدينية فكانوا يكتفون بمحراب في كل بيت ومن أهم المعابد الدينية والذي يعتبر نموذجا آخر من النماذج المعمارية سيباي في تيفولي وقد استخدمت فيه الخرسانة والتي استخدمت من قبل الشرق ولكن في التحصينات, وقد عرف الرومان كيفية إخفاء الشكل الغير مقبول للخرسانة عن طريق تكسيتها بالطوب أو الحجر.

و أهم ما يميز العمارة الرومانية هو الطريق الجديد الذي انتهجته هذه العمارة بحيث أنها اتجهت إلى الاهتمام بالمباني الدنيوية عن الدينية وعن الأماكن العامة عن الخاصة وأيضا استخدام العقود بأشكالها المختلفة والتي اتخذت عدة أشكال جميلة.

مدينة الاقصر . ثلث الحضارة الفرعونية وثلث آثار العالم


قبلة السياح الاثرية - مدينة تحوي ثلث اثار العالم

الأقصر تلقب بمدينة المائة باب أو مدينة الشمس،عُرفت سابقاً باسم طيبة، هي عاصمة مصر في العصر الفرعوني، تقع على ضفاف نهر النيل والذي يقسمها إلى شطرين البر الشرقي والبر الغربي، وهي عاصمة محافظة الأقصر جنوب مصر، تقع بين خطى عرض 25-36 شمالاً، 32-33 شرقاً، وتبعد عن العاصمة المصرية القاهرة حوالي 670 كم، وعن شمال مدينة أسوان بحوالي 220 كم، وجنوب مدينة قنا حوالي 56 كم، وعن جنوب غرب مدينة الغردقة بحوالي 280 كم، يحدها من جهة الشمال مركز قوص ومحافظة قنا، ومن الجنوب مركز إدفو ومحافظة أسوان، ومن جهة الشرق محافظة البحر الأحمر، ومن الغرب مركز أرمنت ومحافظة الوادي الجديد، أقرب الموانيء البحرية للمدينة هو ميناء سفاجا، وأقرب المطارات إليها هو مطار الأقصر الدولي.

تبلغ مساحة الأقصر حوالي 416 كم²، والمساحة المأهولة بالسكان هي 208 كم²، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 487,896 نسمة بحسب إحصاء عام 2010، تقسم مدينة الأقصر إدارياً إلى خمسة شياخات هي شرعية العوامية، الكرنك القديم، الكرنك الجديد، القرنة، منشأة العماري، وستة مدن وقرى تابعة لها هي البياضية، العديسات بحري، العديسات قبلي، الطود، البغداداي، الحبيل، يقال أنّ الأقصر تضمّ ما يقارب ثلث آثار العالم، كما أنها تضم العديد من المعالم الأثرية الفرعونية القديمة مقسمة على البرّين الشرقي والغربي للمدينة، يضم البر الشرقي معبد الأقصر، معبد الكرنك، وطريق الكباش الرابط بين المعبدين، ومتحف الأقصر، أما البر الغربي فيضم وادي الملوك، معبد الدير البحري، وادي الملكات، دير المدينة، ومعبد الرامسيوم، وتمثالا ممنون.

يرجع تأسيس مدينة طيبة إلى عصر الأسرة الرابعة حوالي عام 2575 ق.م،وحتى عصر الدولة الوسطى لم تكن طيبة أكثر من مجرد مجموعة من الأكواخ البسيطة المتجاورة، ورغم ذلك كانت تستخدم كمقبرة لدفن الأموات، فقد كان يدفن فيها حكام الأقاليمِ منذ عصر الدولة القديمة وما بعدها، ثم أصبحت مدينة طيبة في وقت لاحق عاصمة لمصر في عصر الأسرة المصرية الحادية عشر على يد الفرعون منتوحتب الأول، والذي نجح في توحيد البلاد مرة أخرى بعد حالة الفوضى التي احلت بمصر في عصر الاضمحلال الأول، وظلت مدينة طيبة عاصمة للدولة المصرية حتى سقوط حكم الفراعنة والأسرة الحادية والثلاثون على يد الفرس 332 ق.م.

تبلغ درجة الحرارة في الشتاء بمتوسط 25 درجة عظمي والصغري 10 وفي الصيف 40 درجة عظمي والصغرى 20 درجة .
يبلغ عدد سكان محافظة الأقصر نحو 485 الف نسمة وهي تعد من اقل المحافظات المصرية من حيث عدد السكان .

ابو الهول .. التمثال الاسطوري حامي الاهرامات - الحضارة الفرعونية المصرية القديمة



كان أبو الهول ملهمًا للفنانين القدامى والجدد حتى أننا نجد منها ما صنع أيضا خلال القرن التاسع عشر في أوروبا وعلى الأخص في إيطاليا وفرنسا عندما بدأ صيت الحضارة المصرية ينتشر في ربوع أوروبا وأمريكا. ولكن المصريون القدماء كانوا ينشئون تماثيلا مماثلة لإبي الهول في أحجام أصغر، يزينون منها مثلا الطريق الواصل بين معبد الكرنك ومعبد الأقصر. هذا الطريق تصطف على جانبيه تماثيل أبي الهول ولكن رأسها رأس كبش وجسمه جسم الأسد وتتخذ وضع أبي الهول، وهذا الطريق يسمى "طريق الكباش". وأحيانا كانت تماثيل أبي الهول الصغيرة تصنع تمجيدا للملوك، مثل تمثال لأحد الفراعنة موجود في الفيوم وتمثال آخر يمثل الملكة حتشبسوت .

أبو الهول هو تمثال لمخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس إنسان يقع على هضبة الجيزة على الضفة الغربية من النيل في الجيزة، مصر. وهو أقدم المنحوتات الضخمة المعروفة, يبلغ طوله 73.5 م, وعرضه 6 م, وارتفاعه 20.22 م. يعتقد أن قدماء المصريين بنوه في عهد الفرعون خفرع (2558-2532 قبل الميلاد)، باني الهرم الثاني في الجيزة.
رأس أبو الهول.

وقد اختلفت الآراء فيما يمثله هذا التمثال، فالرأي القديم أنه يمثل الملك خفرع جامعا بين قوة الأسد وحكمة الإنسان. بعض علماء الآثار يعتقد أن الملك خوفو هو الذي بناه حيث وجه أبو الهول يشبه تمثالا لخوفو، ولا تشبه تماثيل خفرع). والواقع أن مسألة من هو باني أبو الهول لا زالت مفتوحة للبحث. ويقال أنه إنه يمثل إله الشمس "حور-إم-آخت"، والدليل علي ذلك المعبد الذي يواجه التمثال حيث كانت تجري له فيه الطقوس الدينية. وقد ظل ذلك راسخا في عقول المصريين طوال تاريخهم حيث اعتبروه تمثال للإله "حور-إم-آخت"، وكانو يتعبدون له ويقيمون اللوحات باسمه ومن أشهر هذه اللوحات تلك الخاصة بالملك تحتمس الرابع من الأسرة الثامنة عشر والتي تعرف بلوحة الحلم. إما عن اسم "أبو الهول" والأشتقاق اللغوي له، فيبدو أن اصله يرجع إلي الدولة الحديثة حين نزل قوم من الكنعانيين إلي منطقة الجيزة وشاهدوا التمثال الذي يمثل الإله "حور" وربطوا بينه وبين إله لديهم هو "هورون" ثم حرف هذا الاسم إلي "حورونا" الذي حرف بدوره إلي "هول" حيث قاعدة الإبدال بين الحاء والهاء في اللغة العربية. أما لفظة "أبو" فيبدوا أنها تحريف للكلمة المصرية القديمة "بو" التي تعني "مكان"، وفي هذه الحالة يصبح معني الاسم "مكان الإله حور" ,فيما قام الإغريق القدماء باستنساخ نسختهم الأنثوية من ذلك الكائن.

كما ظهرت مخلوقات وبأفكار مشابهة في عدة حضارات أخرى بينها جنوب وجنوب شرق آسيا. كما احتل أبو الهول مكانا في فن الديكور الأوروبي بدأ من عصر النهضة. يتجه التمثال نحو الشرق وكان لدى التمثال أنف طويل ومع احتلال الفرنسي في مصر حاولوا تحطيم هذا التمثال بمدفع فلم يستطيعوا سوى تحطيم أنف فقطوهذا ما يحاول أن يروجة التعليم والاعلام المصري قبل الثوره ولكن الواقع انها أقدم حادثة موثقة تاريخياً لتشوية الآثار الفرعونية ففي كتابات المؤرخ المصري المقريزي في القرن الخامس عشر الميلادي تعزو هذا الكسر إلى تخريب شخص يسمي محمد صائم الدهر، وهو متصوف متعصب وجاء ذلك في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الأول 26 / 167 حيث كتب قائلا: " وفي زمننا كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم".

اهرامات الجيزة اهم معالم الحضارة الفرعونية القديمة - مصر


أهرمات مصر من اقدم عجائب الدنيا السبع ، وهي مقابر الفراعنة ، وقد امتلأت ممراتها ومقابرها في يوم من الأيام بممتلكات الملوك التي لا تقدر بثمن ، والتي دفنوها معهم حتى يستعملوها في الحياة الأخرى ـ على حد زعمهم ـ وقد نهبت كنوز الأهرمات منذ آلاف السنين ولا زالت الاكتشافات متواليه إلى الان .

يطلق المؤرخون على عصر الدولة القديمة اسم "عصر بناة الأهرام"، إشارة إلى تلك الأهرامات الضخمة التى نراها جميعاً، والتى بنيت فى بطن الصحراء عن يمين الوادى، من إقليم الفيوم جنوباً إلى الجيزة شمالاً.

ولكن لماذا بنيت الأهرامات وما هو الغرض منها؟

ترجع الفكرة فى بناء الأهرامات إلى اعتقاد المصريين القدماء فى خلود الروح، وإلى اعتقادهم فى البعث مرة أخرى وبوجود حياة أبدية. لهذا بنى المصريون القدماء مقبرة حصينة توضع فيها الجثة بعد تحنيطها، وتزود بمجموعة كاملة من حاجيات الميت كالأدوات وقطع الأثاث وأنواع الأطعمة والشراب التى كان يستعملها فى حياته، حتى إذا ما جاءت الروح وحلت فى الجثة، عاد الإنسان إلى حياته الأبدية. ونقشت جدران المقبرة بالمناظر المعتادة، لتدخل السرور على الميت.

واكبر هذه الاهرامات هو هرم خوفو ابن الملك “سنفرو” وخليفته في الحكم وقد استغرق بناء هذا الهرم الاكبر عشرين عاما ويبلغ ارتفاعه 148 مترا ومساحة قاعدته 13 فدانا ويبلغ طول كل ضلع من اضلاع قاعدته نحو 230 مترا، وتبلغ كمية الحجارة التي استخدمت في بنائه نحو 2300000 قطعة حجرية تزن في مجموعها نحو 5500000 طن تقريبا.

أما الهرم الاوسط هو “خفرع” ولكنه اقصر في الارتفاع من هرم “خوفو”.

أما الهرم الثالث فهو “منقرع” وقد بناه الملك منقرع وهو الملك الفرعوني التالي في الحكم بعد خفرع وقد اكتسب الملك “منقرع” سمعة طيبة على عكس خوفو وخفرع اللذين اشتهرا بالظلم والقسوة والجبروت نتيجة لتسخيرهم الآلاف من المصريين في العمل المتواصل.. وحتى يومنا هذا لم تستطع العوامل الجوية ان تنال من الاهرامات.

الباني هو الفرعون خوفو وبني بواسطة جيش من الشغيلة المسخرين , ظلوا عشرون عاما يحفرون الجبال في صعيد مصر وينحتون الصخور ومن ثم تنقل بواسطة المراكب علي نهر النيل إلي منطقة الجيزة حيث ترفع فوق منحدر من ا لرمال يزداد ارتفاعا كلما ارتفع البناء في الهرم , فتجر الصخور على المنحدر صعودا باستخدام قطع من الأخشاب تنزلق فوقها الصخور حتى توضع الصخرة في مكانها . ولماذا بني؟ بني ليكون قبرا لمومياء خوفو المحنطة

هناك كاتب ومفكر سويسري مشهور بنظرياته الشجاعة وأفكاره السباقة والذي أثار كثيرا من ا لجدل في الغرب بسبب هذه الأفكار التي لا تتمشي مع ما تعودوا عليه من أراء ونظريات, هذا الكاتب اختلف عنهم كليا وفند أقوالهم وحججهم وجاء بإجابات وتفسيرات أخري تختلف عما جاء قبله وهي إجابات وتفسيرات سهلة ومقنعة

فبالنسبة للسؤال الأول, فمن بنى الهرم الأكبر؟ وهل هو خوفو؟ يقول الكاتب Von Daenniken أن الهرم الأكبر وعلى خلاف

بقية الاهرامات الأخرى المنتشرة في مصر لا توجد بداخله أية نقوش أو كتابات هيروغليفية , فهو خالي منها تماما مع أن باقي الاهرامات تزخر من الداخل بالكتابات والنقوش والصور التي تغطي الجدران والأسقف والتي تحكي وتمجد باني ذلك الهرم وأعماله وإنجازاته وبطولاته. ويقول الكاتب أن باني الهرم الأكبر لم يكن معروفا حتى سنة 29/12/1835 فيما عدا بضع كلمات جاءت على لسان المؤرخ اليوناني هيرودوت لم يكن متأكدا منها ولم يكن لديه عليها اى دليل, نقول عندما عينت بريطانيا المحتلة لمصر في ذلك الوقت ضابطا إنجليزيا يدعي هوارد فيوزى في مصر, ولكي يجعل هذا الضابط نفسه مشهورا واسمه يتردد على كل لسان فقد قام وادعى بأنه وجد عن طريق الصدفة وعند تفحصه للفجوات الموجودة في سقف حجرة التابوت الرخامي في الهرم الاكبرعلى إحدى الصخرات التي بني بها الهرم مكتوب عليها اسم خوفو قائلا أن المصريين القدامى كانوا يضعون علامات على الصخور عند نحتها في صعيد مصر لمعرفة وجهتها وأين سيكون مكانها الأخير مما يعني حسب قوله أن صاحب الهرم الأكبر هو خوفو, ونستغرب وجود هذه الكتابة على صخرة واحدة فقط من بين ملايين الصخور التي بني بها الهرم مع العلم بأنه لا يوجد لهذا الملك أي أثار تشير إليه سوى تمثال صغير لا يتعدى طوله خمسة سنتمترات ؟ وجد في مكان أخر غير الهرم الأكبر , وعند الإعلان عن اكتشاف اسم باني الهرم الأكبر قامت الدنيا وهللت وفرحت على الرغم من ظهور عدة مقالات في حينها لعلماء اللغة المصرية القديمة يشككون في صحة هذا الادعاء , لان الكتابة الهيروغليفية قد شهدت تطورات في الأسلوب وشكل الرموز على مر القرون العديدة التي عاشتها الحضارة الفرعونية , وطريقة الكتابة على الصخرة التي يدعي الإنجليزي بأنه قد وجدها فوق سقف حجرة تابوت الملك في الهرم الأكبر تختلف كليا عن أسلوب الكتابة في عصر خوفو مما يدعو إلى الشك في هذا الادعاء والى القول بأن الحجر كان تزويرا من الإنجليزي , ولكن مع الأسف لم يلتفت أحد لما كتبه هؤلاء العلماء.

مصر القديمة: الحضارة الفرعونية القديمة



مصر القديمة هي حضارة قديمة في الشمال الشرقي لأفريقيا، كانت مصر القديمة مرتكزة على ضفاف نهر النيل في ما يعرف الآن بجمهورية مصر العربية. بدأت الحضارة المصرية في حوالي العام 3150 ق.م، عندما وحد الملك [مينا] مصر العليا والسفلى، وتطورت بعد ذلك على مدى الثلاث ألفيات اللاحقة. ضمت تاريخياً سلسلة من الممالك المستقرة سياسياً، يتخللها فترات عدم استقرار نسبي تسمى الفترات المتوسطة. بلغت مصر القديمة ذروة حضارتها في عصر الدولة الحديثة، وبعد ذلك دخلت البلاد في فترة انحدار بطئ. هوجمت مصر في تلك الفترة من قبل العديد من القوى الأجنبية، وانتهى حكم الفراعنة رسمياً حين غزت الإمبراطورية الرومانية مصر وجعلتها إحدى مقاطعاتها.

استمد نجاح الحضارة المصرية القديمة في القدرة على التكيف مع ظروف وادي نهر النيل. وساعد التنبؤ بالفيضانات والسيطرة على أضرارها في إنتاج محاصيل زراعية وافرة أسهمت في التنمية الاجتماعية والثقافية. وقامت السلطات ومع توافر المواد اللازمة باستغلال المعادن الموجودة في منطقة الوادي والمناطق الصحراوية المحيطة به، وقامت بوضع نظام كتابة مستقل، ونظمت البناء الجماعي والمشاريع الزراعية، بالإضافة للتجارة مع المناطق المحيطة به، وتعزيز القوى العسكرية للدفاع العسكري ضد الأعداء الخارج وتأكيد الهيمنة الفرعونية على البلاد. وقد كان تنظيم تلك الأنشطة وتحفيزها يتم من خلال نخبة من من البيروقراطيين والزعماء الدينيين والإداريين تحت سيطرة الفرعون الذي حرص على التعاون والوحدة للمصريين في سياق نظام محكم للمعتقدات الدينية.

تضمنت إنجازات قدماء المصريين استغلال المحاجر، المسح وتقنيات البناء التي سهلت بناء الأهرامات الضخمة والمعابد والمسلات، بالإضافة لنظام رياضيات عملي وفعال في الطب. وأنظمة للري وتقنيات الإنتاج الزراعي، وأول ما عرف من السفن، والقيشاني المصري وتكنولوجيا الرسم على الزجاج، وأشكال جديدة من الأدب، وأول معاهدة سلام معروفة. تركت مصر القديمة إرث دائم. ونُسخت وقُلدت الحضارة والفن والعمارة المصرية على نطاق واسع في العالم، ونقلت آثارها إلى بقاع بعيدة من العالم. وألهمت الأطلال والبقايا خيال المسافرين والكتاب لعدة قرون، وأدت اكتشافات في مطلع العصر الحديث عن آثار وحفريات مصرية إلى أبحاث علمية للحضارة المصرية تجلت في علم أطلق عليه علم المصريات، ومزيداً من التقدير لتراثها الثقافي في مصر والعالم.]